الاتحاد الأوروبي الذي يضم شركاء سياسيين لبريطانيا دعا شركاءه لتجنب تكريس الإنقسام في ليبيا. والفرنسيون هدّدوا يوم الخميس بمعاقبة كل من يهدد الانتقال في ليبيا..
في الحقيقة أجد صعوبة في فهم هذه المواقف التي تلتقي جميعها في أنها "لفظية" بمعنى أنها "جعجعة" و"طقّ حنك" كما يُقالُ ..
والغريب هنا هو أن تلتقي كلمة الأوروبيين على ترك الأمر يتفاقم في ليبيا والمشهد يتطور بشكل دراماتيكي فتعظم المأساة وتسيل الدماء في مناطق كثيرة من ليبيا البلد المتاخم لأوروبا!!
..أتساءلُ عن جدّية التهديد الفرنسي؟؟ أي عن نوع العقوبات التي يمكن أن تفرضها باريس على من يهددون الانتقال؟؟!! هل ستفرض عليهم حظر تسلّح؟؟ أو تمنع عنهم المعونات المالية والغذائية؟؟ هذا من قبيل التهديدات الجوفاء التي لا تدلّ سوى عن عجز و"قلّة حيلة"، وفي الحدّ الأدنى عن "الحذر لغياب الحافز".. فالأمر في ليبيا تجاوز مجرد تهديد الانتقال إلى نسفه من الأساس.. وقصّة الحلّ السياسي والحوار فقدت زخمها واستنزفها الإعلام وأطماع الجوار المتقاعس الطّامع في جني مكاسب دبلوماسية وسياسية على حساب دماء الليبيين..
وأتساءلُ عن دعوة سفير بريطانيا إلى التوحّد!! أتمنى ألاّ يكون يقصد مرض التوحد عافاكم الله.. خصوصا وأعراض التوحّد في خطابه ظاهرة وواضحة.. فالمتطرفون الذين يقصدهم السفير المحترم يسيطرون على نصف البلد أو أكثر منه.. والمتطرفون الذين يدعو العالم إلى التوحّد ضدهم هُم من يمدّ الغرب والجوار الجسور يده لمحاورتهم..
في ليبيا أُقِيمَتْ مراسم مبايعة البغدادي.. ومن قبل ذلك، تم الانتقام لمقتل أسامة بن لادن.. وقُطِعَت الرؤوس، ونُفِّذت الإعدامات في الملاعب الرياضية.
لا أعلم أين هؤلاء ممّا يجري بليبيا..
كما لا أعلم شأني شأن معظم الليبيين كيف للصّف الأوروبي المتردد ظاهريا أن "يدعو شركاءه إلى "تجنّب تكريس الانقسام في ليبيا".. فلهجة الدعوة الأوروبية جدية عكس المواقف الفردية للدول الأعضاء التي يُفترض أنها هي من يصنع السياسات والمواقف.. وهذا لا يدل في نظري المتواضع إلا عن انفصام أوروبي وتناقضات داخله بين القول والممارسة، وبين الخطاب الفردي والخطاب الجماعي..
بقي أن نعرف الطرف الذي يستهدفه الاتحاد الأوروبي بدعوته.. والذي يُفترضُ أنه حسب ما بين السطور يمارس سياسة تكرّس الانقسام..
القراءات الموضوعية تقول أن الشريك المقصود هو تركيا.. وتكريسها للانقسام يأتي ممّا تابعناه خلال الأيام الماضية من إيفاد أردوغان مبعوثه الشخصي للقاء رئيس حكومة فجر ليبيا، وهو ما اعتبره الاتحاد الأوروبي تأييدا للانقسام وللحلف المصراتي الاخواني وضربا لشرعية برلمان طبرق وحكومته.
أما القراءة "القسوريّة" فتقول أن الطرف المقصود ليس تركيا ، بل مصر والإمارات باعتبار ما يُرَوَّجُ عن دعمهما لجيش حفتر، وما ترّدد عن قصفهما أرتال فجر ليبيا أثناء حرب المطار..
لكن دعوات الاتحاد الأوروبي تظل في نهاية الأمر مجرد قول خال من الإلزام أو الردع.. وهو أمر غير جديد في السياسات الأوروبية المعروفة بافتقارها للردع أو "المخالب" بعيدا عن الحلف الأطلسي، وانتهاجها المفرط للمرونة والسلبية إزاء تحدّيات خطيرة كالتي يفرضها الوضع الليبي الراهن. وهذا قد يمثل إجابة لمن يأملون في حلّ أوروبي قريب للمعضلة الليبية. وللحديث بقية