مقالات الدليل مقالات الدليل
recent

آخر الأخبار

recent
recent
جاري التحميل ...

الانعكاسات المرتقبة لاتفاق الرياض التكميلي على الوضع في مصر وليبيا وثمار التهدئة المحتملة&بقلم محمد لامين




فتح توقيع اتفاق الرياض التكميلي يوم الأحد الماضي الباب واسعا أمام انفراجات سياسية غير متوقعة بالنظر إلى ما سبقها من احتقان على الساحة السياسية الخليجية بشكل خاص والعربية بشكل عام. فقد أتت قمة الرياض الاستثنائية لتنقذ المنظومة السياسية الخليجية التي مرت بفترة عاصفة بسبب تشنج العلاقات بين قطر من جهة والسعودية والإمارات والبحرين من جهة أخرى.. وإذا كان إنقاذ القمة الخليجية المرتقبة بالدوحة من أوّل المكاسب العاجلة من اتفاق الرياض باعتبار أنه قد أذاب الجليد بين أعضاء مجلس التعاون وأعاد الدوحة نسبيا إلى السرب الخليجي بعد خلافات عميقة في ملفات إقليمية شائكة كالعلاقات مع إيران، وتركيا، والإخوان المسلمين، والتحول السياسي في مصر، وسورية.. وهي ملفات ملتهبة تَمَايَزَ فيها الموقف والسلوك القطريّين عن الشركاء في مجلس التعاون مما أحدث أزمة متصاعدة وخلاف جوهري كاد يقوّض العلاقات إلى ما لا نهاية.
صحيح أن الدول الخليجية ليست قدوة في الديمقراطية أو مدرسة في الممارسة السياسية الرشيدة، لكن المتابع لا يستطيع أن ينكر أن هناك مرونة كبيرة يتعاطى بها مجلس التعاون الخليجي مع ما ينشأ داخله من مشكلات، وآلياته تشتغل على نحو تمكّن من المحافظة على كيان هذا التجمّع شبه الإقليمي وحمايته من التصدّع رغم التحفظات الكثيرة على شكله وعمله. فالوساطة الكويتية التي توصّلت إلى نزع فتيل أزمة عاصفة قد أنتجت الحلّ داخل فضاء المجلس وفق أعراف بلدانه وتقاليدها، وجنّبت الكيانات السياسية لدوله الأعضاء مواجهة كانت قد تؤدي إلى انهياره فيما لو سُمِحَ باستمرارها.. ولم تكن تداعيات هذه الأزمة لتكون أخفّ على الإمارات أو السعودية أو البحرين من قطر.. لأن التحديات الأمنية والسياسية والاقتصادية التي يتعامل معها المجلس قد زحفت نحو حدوده، ولم يعد معنيّا بها من بعيد.. ومأتى الخطر في اعتقادي، هو أن التهديدات قد صارت ملاصقة لحدود دول مجلس التعاون، بعد أن انهار الحزام الأمني الواقي أو بعبارة أدقّ اضمحلّت المنطقة العازلة بين فضاء مجلس التعاون ومناطق التوتر بالمنطقة العربية نتيجة عنف الأزمة السورية، وازدياد مخاطر المستنقع العراقي، وتردي الأوضاع الأمنية والاقتصادية بمصر، وبالخصوص ارتفاع مستوى توتر دول مجلس التعاون الرئيسية في الأزمات الإقليمية ومنها بالأساس أزمتي العراق وسورية.
هذه مفاتيح رئيسية لفهم المشهد السياسي والأمني والاقتصادي الخليجي وحساب مسببات سلوكيات دول مجلس التعاون في مختلف بؤر الصراع بالمنطقة.
تنطلق المقاربة الخليجية في مجالات الأمن والسياسة والاقتصاد من ثابت رئيسي وهو الشراكة الرئيسية مع مصر، فهي سوق واسعة ومجال استثمار مربح، وشريك أمني استراتيجي، وظهير سياسي لا غنى عنه .. وعلى الرغم من المنعطفات والمتغيرات الحاسمة التي شهدتها المنطقة الخليجية فإنها لم تؤثر على موقع مصر، بل عزّزته وزادت في أهميته
فخلال حرب الخليج الأولى كان الشريك المصري في طليعة الجيوش التي شاركت في إخراج القوات العراقية من الكويت.. وبعد حرب الخليج الثانية، تقدّم موقع مصر ضمن المنظومة الأمنية والسياسية الخليجية تحسّبا لتعاظم قوة الجار الإيراني ونواياه.. أما خلال المرحلة الحالية، فإن الشراكة مع مصر لم تعد مجرد اختيار أو تكتيك أو ترف.. بل أصبحت ضرورة وجودية لدول الخليج بعد خروج سورية من حساباتها، وتورطها في مساعي الإطاحة بالنظام فيها..
والعقدة الرئيسية في سياسات مجلس التعاون هي التعاطي مع مصر والمتغيرات التي شهدتها منذ سقوط الحكم ألإخواني.. حيث حشدت قطر، الداعم الرئيسي للإخوان المسلمين آلتها الإعلامية ومواردها المالية لصنع مشهد مضطرب ضد الحكم الجديد بالقاهرة.. وهي نقطة خلاف جوهرية صنعت الأزمة العاصفة بين قطر ودول مجلس التعاون، لأن الدوحة لم تكتفِ بالطبع بدعم الإخوان بمصر، بل قد اكتشفت هذه الدول خلايا نائمة ومخططات نشر فوضى وتآمر عديدة تستهدف الاستقرار والأنظمة داخلها. ومن هنا جاء الإصرار الخليجي على سحب السفراء ومنع أي شكل من أشكال التقارب مع قطر قبل التعهد بفك التحالف مع الإخوان، وهو ما تطور تدريجيا من إجلاء قيادات الصف الأول الاخوانية من الدوحة إلى تهدئة إعلامية وصولا إلى الضغط الخليجي الهائل الذي تعرض إليه نظام آل ثاني والتهديد بمقاطعة قمة الدوحة الخليجية ما لم يتم توقيع اتفاق يوثق الإذعان القطري الصريح لشروط الشركاء الخليجيين.
والاهم في هذا الاتفاق هو أنه لم يطبّع علاقات شركاء الخليج فيما بينهم فحسب، بل أنه قد امتدّ ليتضمّن تقنينا تاريخيا لوضع مصر المتقدم ضمن سياسات وأمن واقتصاد مجلس التعاون الخليجي. فالاتفاق الذي اعتمده الملك السعودي والذي رهن التوقيع عليه بشرط التطبيع القطري المصري قد مثّل دفعا مهمّا لجهود قد ابتدأت منذ مدة على طريق تسوية الخلافات بين الدوحة والقاهرة بمبادرات من دول شريكة.
والتطبيع الذي قد يسفر عن مصالحة قريبة بين مصر وقطر بما قد يخفّض من منسوب التوتر، ويتيح لمصر تعبئة كافّة طاقاتها ومواردها لخدمة جهد الإنقاذ الأمني والاقتصادي، لن يكون المكسب الوحيد من الاتفاق التكميلي الخليجي، لأن خروج مصر من أزمتها وانحسار مجال التناحر العربي-العربي سيفضي ولا شكّ إلى حلحلة إقليمية متسارعة لمشاكل أفرزها ما يسمى بالربيع العربي، سواء بسورية، أو باليمن أو ليبيا.. فمركزية مصر ضمن منظومة الأمن القومي العربي الشامل تجعلها اليوم في طليعة الدول المحاربة للظاهرة الإرهابية التكفيرية التي تسلّلت إلى داخل حدود دول الخليج، ومن ضمنها السعودية التي تخشى الاحتكاك المباشر معها بعد أن ظنت لعقود أنها في مأمن منها لولا أن جاءت الأزمة السورية لتُغرق الخليجيين في دعم مجموعات جهادية وتكفيرية وإرهابية زيّن لهم الصديق التركي "السابق" أنها سوف تخلّصهم من بشار الأسد، وتهزم حليفيه الشّيعيّين "حزب الله" وإيران..
مصر إذن تقود معركة إقليمية تحتاج لدعم اقتصادي ومالي وسياسي جلبه السعوديون والإماراتيون والكويتيون وإن اختلف حجم المساهمات، لكنها تحتاج بالأساس إلى توقّف فوري عن طعنها من الخلف أي دعم الإرهابيين والإخوان.. والحديث عن وقف الدعم القطري للإخوان لا يقتصر على ما هو مالي وسياسي ولوجستي، بل يشمل قضية رئيسية هي وقف التحريض الإعلامي والشحن الذي تمارسه محطة الجزيرة بتوفيرها منبرا إعلاميا للإخوان.. وبإذاعتها للأشرطة المصورة لعمليات التفجير والمذابح التي يرتكبها التكفيريون ضد قوات الجيش والأمن بمصر.
إن إغلاق جبهة الصراع مع الدوحة أكانت إعلامية أم سياسية سيسمح لمصر باستعادة دورها والخروج من حالة "الانطواء الدبلوماسي والأمني" التي أرغمتها على انتهاجها العمليات الإرهابية وهاجس حماية الداخل بما أدى إلى تقليص دورها وإضعاف نفوذها خصوصا إزاء التحديات التي أنتجها اضطراب المشهد الأمني والسياسي الليبي.
إن المنطقة تقف اليوم على أعتاب مرحلة هامة في تقديري. وعلى الليبيين بالذّات أن يتلقّفوا هذه المبادرة، ويحسنوا التعامل مع هذا التطور الاستراتيجي الهام، خصوصا بعد إعلان مجلس الأمن جماعة أنصار الشريعة منظمة إرهابية..
فالروابط المعلومة بين أنصار الشريعة في بنغازي والقاعدة في درنه مع جماعة فجر ليبيا غربي ليبيا، والتي تجلّت بوضوح في تصريح رئيس وزراء فجر ليبيا عمر الحاسي بخصوص الجماعة الإرهابية وامتداحه لها واعتبارها " فكرة جميلة ومستحبة ".. هذه الروابط بين الإرهابيين التكفيريين والإخوان في ليبيا.. بالإضافة إلى علاقاتهم الوطيدة مع الفصائل الجهادية التكفيرية في سورية ومصر.. وإدراك العالم لعمق الأواصر بينهم وبين حلفائهم القطريين والأتراك يجعل مساعدتهم أو تقديم أي شكل من أشكال الدعم إليهم مغامرة سياسية غير مأمونة العواقب بعد قرار مجلس الأمن بخصوص أنصار الشريعة الليبية.. والقطريون بالذات سيكونون كمن يلعب بالنار إن استمروا في دعم مثل هذه الجماعات المتشددة لأن تهمة الضلوع في رعاية الإرهاب لن تكون سببا في مقاطعة الغرب للدوحة فحسب، بل في تأزيم علاقاتها مع الخليجيين بعد التنكر للمواثيق المبرمة وآخرها اتفاق الرياض التكميلي، هذا عدَا ما يمكن أن يحدث من مخاطر كأن "ينقلب السّحر على السّاحر" أو تصبح الدوحة مسرحا لعمليات إرهابية لا قِبَل لها باحتمال تداعياتها لاعتبارات كثيرة
سينتظر الليبيون إذن تركيزا مصريا خاصا على المشكلة الليبية، بل وسيتفاءلون بإمكانية توصّل مصر مع شركائها الخليجيين إلى تنظيم مؤتمر طائف ليبي على غرار طائف لبنان لوضع أسس عملية لحلّ الأزمة المتفجرة هناك.
غير أن ذلك سيكون مرحلة تالية لمرحلة أهم وهي استكمال ودعم مهمة الجيش الليبي بالشرق والغرب وأعني محاربة الإرهاب بمختلف أشكاله متجسدا في جماعة القاعدة وداعش ببنغازي ودرنه وطرابلس.. والانتباه بالخصوص إلى ما شهدته بنغازي المنشغلة بمعارك شرسة بين الجيش والتكفيريين، وهو أن الممرات الآمنة التي فتحها الجيش للعوائل والأُسَر خلال إخلاء الأحياء السكنية قد أتاحت لأعداد كبيرة من التكفيريين فرصة الاندساس وسط المدنيين ومغادرة أحياء بنغازي نحو سرت في الوسط، وصبراته بالغرب.. وعلى الرغم من فتح الجيش الليبي لغرفة عمليات تابعة له بالمنطقة الغربية تمهيدا لمهاجمة الميليشيات، فإنه ينبغي التحذير من أن فجر ليبيا وحلفائها التكفيريين الراغبين في توسيع نطاق المعركة وتشتيت جهود الجيش قد استكملوا استعدادتهم لمهاجمة الزنتان من الشرق والجنوب يعني من الزاوية وما جاورها، ومن اوباري.. والتكفيريون قد استعدوا للمواجهة المرتقبة واستقبلوا أفواجا كبيرة من المقاتلين الوافدين عبر الصحراء ومن كامل إقليم الساحل..
إن الوضع المتفجّر في ليبيا لم يكن بحاجة إلا لقرار مجلس الأمن كي يوضح الأمور بشكل نهائي ويضع النقاط على الحروف بشأن ليبيا.. فيكفي أن تتحالف مع الإخوان كي تصبح راعيا للإرهاب وذلك لثبوت تحالفهم مع الجماعة المعلنة إرهابية.. وهذه من المزايا القليلة التي ربّما توجد بهذا القرار.
وإذا كانت مصر بمساعدة الشركاء الخليجيين ستحسب هذا القرار من جملة مغانم الفترة الواعدة التي تمر بها دبلوماسيتها.. وإذا كانت قطر ستعتبره حجة وذريعة كافية كي يقتنع الإرهابيون الذين تدعمهم وتموّلهم في سورية والعراق ومصر بأنها قد صارت ممنوعة من دعمهم واستضافتهم وفتح منابرها الإعلامية لهم ليس بموجب الاتفاقيات الإقليمية فحسب، بل بمقتضى قرارات مجلس الأمن.. فإن تركيا هي الخاسر الأبرز لمراهنتها على صنع الفوضى وخلق التوتر ومناخ الرحب والعداء في أقاليم ومناطق كانت أبرز المستفيدين من رخائها وهدوئها وأعني ليبيا ومصر وسورية!!


عن الكاتب

libdahlibya

التعليقات


اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى مدونتنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد المدونة السريع ليصلك جديد المدونة أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

جميع الحقوق محفوظة

مقالات الدليل