![]() |
محمد لامين |
اجتماع أوبك اليوم.. معاقبة روسيا، وإيران.. هل نحن على عتبة عهد ما بعد النفط؟؟
جاء قرار مجموعة الدول المصدرة للنفط (أوبك) اليومبالإبقاء على مستوى إنتاج النفط الخام ليعمّق أزمة تهاوي أسعار الذهب الأسود في مختلف البلدان النفطية. فاقتصاديات هذه البلدان التي حققت فوائض نقدية ضخمة خلال السنوات الماضية تشارف اليوم على الدخول في مرحلة ركود بفعل انكماش العائدات النفطية. وسيكون من شأن وضع كهذا أن يُحدث تغييرات خطيرة على الخارطة الجيوسياسية بالمنطقة العربية بشكل خاص.
ولقد استغرب كثير من الخبراء النفطيين ومتابعي الشأن الاقتصادي في العالم مأتى هذا القرار الذي يعتبر "خارجا عن سياق الأحداث والتطورات"، في وقت ساد فيه التوقع بأنه سيجري إقرار خفض مستويات الإنتاج بإجماع كامل باعتبار أن خطر انهيار الأسعار يهدّد الجميع، وأن خفض الإنتاج سيزيد من حجم الطلب على نحو ينقذ المشروعات والخطط التنموية الجاري والمزمع تنفيذها بالدول المصدّرة للنفط، باعتبارها مرتبطة بعائدات صادراتها النفطية، فُوجئنا بترك الأمور على ما هي عليه.. وهو ما يعتبر موافقة علنيّة على استمرار النزيف النقدي والطّاقوي يتفاقم.
لا حاجة إلى اجتهاد كبير أو تفلسُفٍ لفهم أسباب عدم توافق دول أوبك على خفض مستوى الإنتاج. فهذه المنظمة الاقتصادية مثّلت لعقود طويلة مسرحا للصراعات المكتومة والعلنية.. ففي داخل هذه المنظمة تجري المساومات وتصفية الحسابات السياسية.. وفي كواليسها وتفاصيلها تختبئ الشياطين التي تمسك بزمام القرارات وتوجّه المواقف في اتجاهات غريبة ومفاجئة وحتى مناقضة لمصالح دول المنظمة.. من خلف ستائر اجتماعات اوبك ومنتدياتها هناك أصابع ماهرة ومقتدرة تمسك بخيوط مواقف غالبية الدول النفطية كي تسيطر على القرارات وتحافظ على أغلبية دائمة عن طريق الضغوط والابتزاز..
والسؤال الكبير هنا يمسّ مدى قدرة أوبك على استيعاب خلافات أعضائها؟؟ ومدى قدرتها على الصمود والاستمرار وسط التوظيف والاستغلال؟؟ وهل باستطاعتها رعاية مصالح كافة أعضائها؟؟ وهل ما تزال هناك حاجة إليها كإطار يجمع دولا نفطية متناقضة المصالح؟؟
إن الملفات الملتهبة بالمنطقة العربية وخارجها، والخلافات العاصفة حولها، وأقصد بالخصوص الملف السوري، والإيراني والأوكراني، قد رحّلت الحلول من منابر المؤتمرات التشاورية والإقليمية والدولية إلى اجتماعات اوبك، حيث يسهل الضغط ويفعل المال فعله في المواقف والتنسيق والكولسة. ويتحقق داخل هذه الاجتماعات الاقتصادية والنقدية ما تعجز عن تحقيقه اجتماعات الزعماء والساسة.. وانظر إلى ما ينتهجه الأوروبيون والأمريكان منذ شهور ضد روسيا على خلفية مواقفها من النزاع في سورية، والأزمة بأوكرانيا. فعملية خنق الاقتصاد الروسي، المعتمد على عائدات النفط والغاز بشكل رئيسي، تجري بشكل تدريجي ومنسق وتصاعدي فيخسر اقتصاد موسكو ملايين الدولارات مع كل مطلع شمس يوم جديد.. أما إيران، فإن خصومها من أمريكيين وخليجيين يتخذون من أسعار النفط ومستويات إنتاجه أداة لابتزازها بشأن ملفّها النووي، واحتواء مخاطر تواجدها بلبنان وسورية وتحجيم دورها بالعراق، فضلا عن مزاعم دعمها للحوثيين باليمن..
وإذا كانت هذه "المؤامرات" و"المناورات" النفطية التي تجري داخل أروقة "أوبك" فعّالة وناجعة وموجعة "للمتمرّدين" من الدول الأعضاء، فإنها للأسف لا تخدم سوى مصالح الخصوم المباشرين لإيران وروسيا، والجزائر بدرجة أقلّ على اعتبار ما تشهده من أزمة مطالب اجتماعية تحتاج كثيرا من الموارد لتلبيتها. فالسعودية والكويت وقطر والإمارات والبحرين وغيرها من الدول المنتجة للنفط بالمنطقة تبدو كمن "يؤجّر مقعده مفروشا" بالمنظمة للأمريكيين، فتأتي مواقفه متسقة مع مصالحهم مناقضة لخصومهم، دون تحقيق أية مكاسب حقيقية لشعوبها واقتصادياتها.. إذ لو تمسكت دول الخليج بمواقف مساندة لمبدأ خفض الإنتاج، لتوصّلت على الأقل إلى تقليص خسائرها، هذا إن لم ترفع أرباحها.. لكن منطق التبعية والبيع والشراء والمكر السياسي يدفعها إلى التضحية بمواردها أو تبديدها بمعنى أصحّ في سبيل التقرّب إلى الأمريكيين غير الأعضاء بأوبك..
إنه لا مصلحة للبلدان العربية في مساندة قرارات من هذا القبيل.. ولو فكّرت في مستقبل شعوبها لأدركت أن تهاوي أسعار النفط ليس مجرد سحابة صيف عابرة.. لأن الانخفاض المرعب للأسعار مع حلول فصل الشتاء بما فيه من إقبال على المحروقات، يؤشّر إلى وجود بدائل.. وإلى تضاؤل أهمية النفط بشكل يبعث على القلق.. وهو ما يعني بالنتيجة أننا قد أصبحنا على أعتاب عهد ما بعد النفط..
ومن شأن مثل هذا الواقع أن يحمل معه متغيرات دراماتيكية فيما يتعلق بخارطة النفوذ السياسي والاقتصادي، ويدفع بدول الخليج النفطية نحو هامش السياسة الدولية والإقليمية، نادمة على عدم استغلال أوقات الطفرة النفطية في تنفيذ ما تحتاجه شعوبها من برامج وخطط تنموية وتعليمية وصحية..
إن فقدان مادة النفط لنفوذها ووهجها في المعاملات الاقتصادية كابوس كارثي يهدد بإعادة دول المنطقة إلى حقبة عرفت خلالها شعوبها التهميش والجوع والأمراض والفاقة والتخلف..
وحيث أن سعر برميل خام برنت الذي انهار خلال 6أعوام من 115 دولارا أو تزيد إلى 70 دولار يؤشّر بالذات إلى كارثة اقتصادية ونقدية وشيكة على ليبيا وهي أحد المنتجين الرئيسيين لخام برنت، فإنه يجدر بنا التساؤل عما يمكن أن يكون عليه واقع الأمر فيما لو استقرت الأوضاع في ليبيا.. كيف ستتم إعادة الإعمار وبناء الجيش والاجهزة الأمنية ؟؟ وكيف سيتم دفع مرتبات مئات الآلاف من الموظفين الذين تم تعيينهم في الثلاثة سنوات الاخيرة .!؟ وكيف سيتم تعويض أسر القتلى والنازحين والمهجرين وعلاج الجرحى؟؟ وكيف سيتم سداد الالتزامات المترتبة علي الدولة الليبية ؟؟ وكيف سيتم تمويل ودعم الصفقات الحكومية المتعلقة بالسلع التموينية والدواء والمحروقات؟؟
هناك كثير من التساؤلات الحائرة.. لكنها تساؤلات مشروعة ومصيرية وإستراتيجية تسمح بتوقّع بعض ملامح المشهد المستقبلي على المدى المتوسط والبعيد لبلدان وشعوب المنطقة التي قد تكون خارج المعادلات السياسية والأمنية.. غير أن سلبيات مثل هذا السيناريو قد تُرْغِمُ بعض العشائر الحاكمة بمنطقة الخليج بالخصوص على الاهتمام بشؤونها الداخلية وتوجيه سيولتها النقدية إلى خير شعوبها بدل إنفاقها على صناعة المؤامرات ومخططات التخريب وتمويل العصابات الإرهابية وافتعال التمرّدات هنا وهناك.. نعم.. قد يكون انكفاء مثل هذه الأنظمة الشريرة داخل حدودها وانطواؤها على نفسها من مزايا عهد ما بعد النفط.. هذا لو قُدّر لها أن تبقى أو تصمد وهي التي تشتري حياتها واستمرارها كل يوم بالملايين.. على فكرة.. أيّهما سيكون أغلى ثمنا بعد أشهر قليلة: سعر أسطوانة الأكسجين أم برميل النفط؟؟